كم هي جميلة الأهرامات!!

أحد أعظم الأثار علي وجه الأرض فهي دلالة على قدرة وقوة الإنسان في الحلم والطموح بل في التخطيط والتنفيذ والتفاني في العمل.

وما تكون الأعمال العظيمة سوى حلم, تخطيط ثم تنفيذ!!!

الكثير يعتقد أن علم الموارد البشرية بدأ في الظهور في القرن الثامن عشر وتطور منذ ذاك الوقت. ولكن أنا أرى أن هذا خطأ!!

نعم علوم الإدارة والإقتصاد وغيرها من العلوم بدأت في الظهور بشكل واضح منذ قرون عدة. ولكن عندما تنظر إلى الحضارات القديمة الإغريقية, الفارسية, الأشورية, المصرية والعديد من الحضارات القديمة ستجد علوم كثيرة كانت هي اللغة الحاكمة في هذا الوقت كمثل علوم الطب, الفلك, الفلسفة والهندسة.

وعندما نذكر الهندسة فنحن نتحدث عن معابد ومباني ضخمة عملاقة تشهد على روعة البناء وبراعة البنائيين.

ولنا هنا حديث يجذبنا إلى نقاش مطول.

ففي الحضارات القديمة كانوا مهووسون بالهندسة وبناء أمورا عدة كما ذكرت, لتخلد ذكراهم بشكل أو بأخر…

فتلك المعابد الضخمة كانت تحتاج إلي عمال للبناء, مهندسين معماريين ومهندسين تخطيط وهناك من يعملون في مساعدة المهندسيين في إدارة الأعمال وغيرهم من يعطي الأجور للعمال أياً كان شكل الأجور حينها.

وهنا يأتي دور الإدارة… فبدون خطط واضحة وخطوط عريضة لما تم تنفيذ كل تلك الأعمال.

والإدارة المعنية بالبشر من العمال والموظفين تسمي في عصرنا الحالي.. “إدارة الموارد البشرية”.

حقيقة أنا لا أعلم بم كانت تسمي آنذاك في العصور القديمة ولكني متأكد أن فن الإدارة كان موجود بشكل أو بأخر.

المعابد والأهرامات والمسلات في مصر على سبيل المثال.. لم تنفذ هباءاً بدون أي تخطيط أو إستراتيجيات.

فدعونا نعتبر أن الأهرامات عبارة عن مشروع وأن الفرعون آنذاك قام بإنشاء شركة مقاولات أو إنشاءات لتنفيذ المشروع الذي يحلم به. ماذا سوف يحتاج الفرعون حين اذا؟

من وجه نظر رأس المال البشرى:-

(في إدارة الموارد البشرية هذا يسمي ب “الخطة التشغيلية للموظفين”).

من وجه نظر النظام أو التخطيط:-

 

هذا هو النظام الذي على أساسه تدار المؤسسات.. (المورد البشري, رأس المال, الخبرة و التخطيط… إلخ)

أنت لديك الهدف والخبرة والتمويل للوصول لمبتغاك, الأن يمكنك أن توظف الموظفين والعمال, تقوم بتدريبهم وتعطيهم الأجور في مقابل خدماتهم, خبراتهم ومجهوداتهم لتنفيذ خططك وأهدافك. هذا ما يمكننا تسميته خارطة العمل!!

حسناً, الآن بعد أن قمنا بتوضيح أ. ب إدارة الموارد البشرية والإدارة بشكل بسيط, ماذا بعد؟!

دعوني أوضح بعض المعلومات التي ستوضح ما نحن نتحدث بشأنه :-

لقد بنيت الأهرامات منذ حوالي 25 قرن قبل الميلاد, هذا يعني أن الرؤية الصحيحة كانت العمل بناءاً علي خبرة “التجربة والخطأ”.

كما أن إستراتيجيات التوظيف, التعيين والتدريب الجيدة وقتها هي ما جعلت بناء الأهرمات أحد عجائب الدنيا السبع!!

نحن سنركز على بناء الأهرامات الذي أخذ بناءه حوالي 20 عام  و 10 أعوام لبناء الممرات والأجزاء السفلية.

(المرجع:- المؤرخ اليوناني هيروديت الذي زار مصر في القرن الثامن قبل الميلاد، بعد أكتر من 2000 عام علي بناء الأهرامات).

ملحوظة:-

 نحن لا نقوم بتأريخ هندسة عظيمة, نحن فقط نأخذ بناء الأهرمات كحالة دراسية للعمل عليها من وجهة نظر علم إدارة الموارد البشرية, فإذا كان هناك بعض الفروقات في الأعوام أو أشياء أخري فهذا لأننا لسنا أثريين أو معنيين بالتاريخ.

عشرون عاما من البناء بالتأكيد لم تكن مصادفة, فهم كانوا على علم بالمدة الزمنية التي سيستغرقها بناء الأهرمات وهذا ما نسميه في عصرنا هذا بالجدولة “جدول يتم تخطيطه بالمدة الزمنية المناسبة لبناء الأهرمات والعمل على تنفيذ هذا الجدول”.

ناهيكم علي أن بناء الأهرامات كان يعمل عليه قرابة المائة ألف (مهندسين, عمال بناء, عمال سفن, ملاحظين, حفارون و نحاتيين… إلخ).

عشرون عاماً ومائة ألف عامل لبناء هذا الصرح العظيم!!

بالتأكيد إحتاج لدراسة جدول وتخطيط جيد للميزانية الكبيرة التي سيحتاجها المشروع, هذا ما أخذه المهندسين, الوزراء والفرعون بالإعتبار أنذاك, مع الأخذ في الإعتبار أن خطة التشغيل و توظيف العمال والمهندسين وتدريبهم وخطط إستراتيجية أخرى في الزمن الحالي.

نسمي هذا في علم الإدارة بــ “إدارة المشاريع”.

الفرعون آنذاك أراد بناء مشروع وطني ضخم لتخليد ذكراه وظهر للشعب بهذا الحلم وقام بتسويقه بشكل جيد بشكل أو بأخر وعمل على ضمان  دعم الشعب له ومساندته في تنفيذ هذه الخطة, “دعونا نقوم بتجريد الحقائق من إستعباد الأشخاص لتنفيذ هذا المشروع جبراً “. وكانت الخطة تقتضي حسب المدة الزمنية الموضوعة بتعيين مائة ألف عامل وموظف وتدريبهم وتعيينهم فورا في المشروع الوطني (بناء الاهرامات) وكان ذلك جزء من إدارة الموارد البشرية آنذاك التي تنفذ وتدعم إحتياجات الخطة الإستراتيجية.

دعونا نعود إلى نقطة حلم الفرعون ومخاطبته للشعب بهذا الحلم الذي قام بتسويقه “بلغتنا الحالية”, مما جعل الشعب يؤمن بهذا الحلم وذلك إعتمادا على الرؤية, الهدف والرسالة الذي ضمن الفرعون أن تكونوا جيدين بما يكفي ليقنع بها الشعب في جميع أنحاء مصر القديمة آنذاك لتكون معياراً… للتسويق!!

علاوة على ذلك، هناك حاجة إلى بناء ميناء نهري بالقرب من الهرم لسفن الشحن التي سوف تنقل الحجارة من المحاجر بأسوان إلى المحاجر بالقرب من الهرم. عمل المهندسين في كل وقت لتحليل كل شيء للحصول على نتائج مثالية في نهاية 20 عاما من العمل الشاق. 100,000 عامل لازم لتنفيذ البناء،

وجب أن يتم تغذيتهم بصورة جيدة فتم وضع خطة لتناول الطعام على شكل وجبات لها مدد زمنية محددة على مدار اليوم لسد إحتياجات العدد الهائل من الموظفين والعمال فيقولون “الأثريون” إنه تم ذبح آلاف الأبقار كل يوم لإطعامهم، وبالتالي يجب أن يكون هناك ميزانية للطعام.

كان الملك بمثابة إله، وتم دفع العاملين للصلاة يوميا إلى الإله كنوع من المحفز لبقاء العمل على أفضل وجه, ويتم دفع الأجور “اليومية” للعمال والموظفين بناءا على ما بذلوه من جهد، وهو ما يسمى في يومنا هذا ب”الأجور والمرتبات” في علم إدارة الموارد البشرية.

أما بالنسبة لأولئك الذين لقوا حتفهم أثناءالعمل، تلقت أسرهم تعويضات. كل هذا كان يتم من خلال الملاحظين ورئيس الملاحظين الذين كانوا يعملون من خلال دفاتر منظمة بها أعداد, أسماء العمال, الموظفين, أدوارهم الوظيفية, تسجيل الغياب والحضور والتعليقات الأخرى الهامة حول كل موظف.

كل ما تم ذكره بالأعلي عظيم ولكن فيما تم إستخدام تحليل الــS.W.O.T ؟! (نقاط القوة. نقاط الضعف. الفرص. التهديدات)

الهرم الأكبر لم  يكن الهرم الأول الذي تم بناؤها في التاريخ أو تحديداً في تاريخ مصر القديمة، كان هناك الكثير من الأهرامات بأشكال متنوعة قد بنيت قبل ذلك بكثير، ولكن تطورت الهندسة بشكل كبير وأصبحت فريدة من نوعها لأول مره في مصر القديمة، وربما في العالم.

حدث ذلك بعد العديد من المحاولات من قبل مهندسين الملك الفرعوني للوصول إلى الكمال من خلال دراسة الأنواع السابقة للهندسة المعمارية في محاولاتها البدائية.

في العصر الحديث، هذا ما يسمى تحليل S.W.O.T.!!

 دعوني أوضح  بشكل أخر هذا التحليل الحديث, قد تم إستخدامه بشكل بدائي آنذاك في دراسة نقاط القوة, الضعف, الفرص, التهديدات للأسرة الفرعونية, حكمها والتكنولوجيا الهندسية والفلكية التي توصلوا إليها وأيضا دراسة هذا العمل وتداعياته علي توطيد حكم الفرعون. بالطبع هذا التحليل يستخدم بشكل أعمق من ذلك في عصرنا الحالي ولكن نستطيع أن نقول أنها كانت بدايات أو بدائيات التحليل التنظيمي وقتها!!

اذا نظرتم إلى العمارة كمثال في العالم القديم واتبعتم عظمتها، فسوف تجدوا الأشكال البدائية لإدارة الموارد البشرية،

والتي ظهرت بعد ذلك كعلم في القرن ال18، وتطورت الآن لتصبح HCM ..(إدارةالمواردالبشرية كرأس مال).

ملحوظة:-

في الدول المتقدمة والشركات متعددة الجنسيات بدأوا العمل من وجهة نظر أن العامل البشري في الشركة ليس مورد وإنما هو أصل من أصول الشركة يعمل على نجاحها وتقدمها.

والكثير من الشركات ستجدهم يذكرون في ميزانيتهم العمومية العمالة الماهرة والموظفين المهرة الذين تم إستثمار أموال للتدريب والتأهيل فيهم.

ان الموارد البشرية تلعب دورا أساسيا في كل شيء في حياتنا اليومية، بدءا من حياة المرء الشخصية  وكيف يمكن تنظيم حياته والعمل علي تطويرها، إلى المنظمات و كيف يمكن تحقيق التوازن بين كل شيء للوصول إلى أقصى قدر من النجاح!!

بقلم: محمد شومان

مراجعة: أمنية نجم

تصوير: محمود منسي